كتب زياد شبيب في النهار:
اتفاقية الهدنة التي وقعها لبنان مع دولة الاحتلال في العام 1949 نصت على تخفيض القوى العسكرية على جانبي الحدود إلى الحد الأدنى، وأتت متوازنة لهذه الناحية كما هي حال الاتفاقيات التي يكون موضوعها إقرار الهُدن أو وقف إطلاق النار بين الدول المتحاربة. فقد نصت المادة الخامسة منها على ما يلي:
".١ يتبع الخط الفاصل للهدنة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين.
.٢ لا يكون في منطقة الخط الفاصل للهدنة من القوى العسكرية للفريقين، سوى العناصر الدفاعية كما ينص على ذلك ملحق هذا الاتفاق.
.٣ يجري سحب القوى للخط الفاصل للهدنة وتخفيضها لعناصر دفاعية وفقاً للفقرة السابقة في خلال عشرة أيام من تاريخ توقيع هذا الاتفاق، ويجري في نفس المهلة تنظيف الطرقات من الألغام، وتنظيف المناطق المزروعة بالألغام التي يجلبها كل من الفريقين، و كذلك تبادل تسليم حقول الألغام."
أما القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي العام 2006، فقد أنشأ منطقة عازلة خالية من "أي أفراد مسلحين، موجودات وأسلحة غير تلك التابعة لحكومة لبنان واليونيفيل" بين الخط الأزرق الذي وضعته الأمم المتحدة في جنوب لبنان ونهر الليطاني، أي أنه نص على تدابير تتعلق بخفض الوجود العسكري من الجانب اللبناني فقط، وهنا تكمن المشكلة.
يُعتبر إنشاء منطقة عازلة أو منزوعة السلاح من جانب واحد من الحدود أمرًا غير عادل وغير معتاد في القرارات والاتفاقيات التي ترمي إلى وقف إطلاق النار أو إلى إنهاء النزاعات المسلحة. والأمثلة على ذلك كثيرة، بين الهند وباكستان، وكوريا الشمالية والجنوبية، والعراق والكويت، وبين دول يوغسلافيا السابقة، وبين كولومبيا ونيكاراغوا، وبين إسرائيل وسوريا، وإسرائيل ومصر. (المــادة 60 من الملحق الأول باتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب 1949 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، تعرّف المناطق العازلة وتضع قواعد القانون الدولي التي ترعاها).
اليوم عاد القرار الأممي المذكور إلى الواجهة مع السعي الإسرائيلي إلى تنفيذه من خلال وساطات غربية مترافقة مع التهديد بعمل عسكري ضد لبنان كما جاء على لسان وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت أمس الأول بقوله: "سنبعد حزب الله وراء نهر الليطاني عبر تسوية دولية استنادا لقرار أممي". وأضاف: "إذا لم تنجح التسوية الدولية فسنتحرك عسكرياً لإبعاد "حزب الله" عن الحدود".
المساعي الفرنسية الأخيرة جاءت ضمن العنوان الذي كان اموس هوكشتاين قد وضعه للمرحلة عندما حضر إلى لبنان في السابع من تشرين الثاني الماضي وهو القرار 1701. وهذا ما ورد صراحة في بيان السفارة الأميركية الذي "شدّد على أنّ استعادة الهدوء على طول الحدود الجنوبيّة يجب أن تكون الأولوية القصوى لكلٍ من لبنان وإسرائيل. وذكّر جميع المُحاورين بأنّ قرار مجلس الأمن 1701 هو أفضل آلية لتحقيق هذا الهدف ودعا إلى تنفيذه بالكامل".
اللافت أن غالانت تحدث عن قرار أممي وليس عن القرار 1701 تحديدًا، ما يعني أن إسرائيل ربما تسعى لاستصدار قرار جديد. قد يشكل هذا الأمر فرصة للبنان ليشترط إيجاد منطقة عازلة مقابلة ويطرح مسألة التوازن في تخفيض الوجود العسكري على جانبي الحدود. أي أن قبول لبنان بمنطقة عازلة في أراضيه يجب أن يكون مشروطًا بفرض منطقة مماثلة ضمن الأراضي المحتلة، وإذا لم يصدر قرار أممي جديد فيجب المطالبة بتطبيق اتفاقية الهدنة التي تفرض وجودًا عسكريًا دفاعيًا فقط على جانبي الحدود. وفي الحالتين يجب أن يقتصر الوجود العسكري على عديد وتسليح مماثل وضمن العمق الجغرافي نفسه من الجهتين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك